( الإنسان وبريستيج الثقافة والفكر)

أخي الإنسان الحر الجميل المبدع الخلاق .. امتداداً لما كتبناه سابقا في مقالاتنا  , إن الإنسان خُلق على الفطرة وهذا الإنسان كائن اجتماعي ناقص الإرادة والفكر والقدرات والإمكانيات يسير نحو تكميل نواقصه بالتعاون والتكامل مع الغير , هذه هي معادلة وعلاقة تكوينية ومن هذا المنطلق والمفهوم ابتدأت كل الظواهر والأفكار والمفاهيم تأخذ مكانها ووجودها  زماناً ومكاناً ..

لقد اختلف المخلوق مع نفسه كإبليس عندما عصا أمر ربه , واختلفت الملائكة مع خالقها عندما حاورت خالقها لإرادته لخلق آدم على الوطن الكبير أم البدايات وأم النهايات الكرة الأرضية ... من هنا بدأ الخلاف والوفاق وقبول الآخر من وجهة الفلسفة البشرية والفطرة التكوينية , الأصل أن المخلوق أو الإنسان قد اختلف مع نفسه في مجالات متعددة وتوافق مع نفسه في مجالات أخرى , فالخلاف هو بالأصل خلافٌ ذاتيّ ,

والتوافق أصلا توافقٌ ذاتي , وهكذا بُني الإنسان على الفطرة , واستمرت هذه المعادلة وتطورت إلى وقتنا الحالي مروراً بأزمنة وعصوراً متعددة وأماكن جغرافية مختلفة المناخ والتضاريس وطبيعة التكوين من جبالٍ ووديانٍ وسهولٍ وصحاري ,, وانعكست سلباً أو إيجاباً على حياة الفرد
وعلى فكره وسلوكه , ومن نقطة البداية هذه بدأ الفكر الإنساني يتطور بشقيه الإيجابي وتكامله مع الآخرين بشراً أو كوناً, أي طبيعة المنطقة الجغرافية التي  يسكن فيها وكذلك الشق السلبي وما ابتدأ أصلاً خلافاً مع النفس والتكوين والفطرة مصدراً خلافات نفسه للآخرين وامتدت للآخر والآخر وبهذا المفهوم تطور الفكر والسلوك والمفاهيم في مراحل زمانية ومكانية بمستويات مختلفة ,

شقٌ يغلب على شق في زمانٍ ومكان .. وهكذا تطورت الخلافات الفكرية والقيمية والمفاهيم البشرية على مر التاريخ القديم والقديم جداً ليتسارع مع الزمن حتى يصل إلى هذا العصر ... ظهر الكثير من الحكماء والفلاسفة وكيف أثروا بالأغلب إيجاباً على تطور الفكر الصحيح وأحياناً سلباً في مناحي أخرى , وكذلك ظهر الأنبياء والرسل والديانات وجميعها لتقدم تصحيح معادلة الفكر البشري وتقليص الهوُّة بين التطور والانحدار , ضمن تعاليم وفلسفة ربانية متطورة في تفسيراتها بل دائمة الحركة والتطور والامتداد , ليس لها حدود زماناً ولا مكاناً كما أن خالقها ومرسلها  ليس له حدود فهو الأول والآخر , لا شيء قبله ولا شيء بعده وإلا لن تكون هذه الرسالات صالحة لكل زمان ومكان كما يقول خالقها ومرسلها إن صح التعبير فهذه الرسالات هي صفة الخالق قبل أن تكون مخلوقةً ....

لهذه الأسباب والمفاهيم إخوتي المثقفون والشعراء والأدباء والكٌّتاب وكل الفنانين في مختلف المجالات والحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان وكل النخب المجتمعية في كل موقع , مع هذه الحقيقة تطور الإنسان إيجاباً أو سلباً في مختلف مجالات الحياة من العصور الأولية وإلى عصرنا الحالي أي هذا القرن الحادي والعشرون ..
لقد واجه الفكر الإنساني في مراحل تقدمه محطات واستراحات في مختلف الأزمنة والعصور والأماكن الجغرافية , دعونا نسمي هذه المحطات أو الاستراحات إنها منعطفات تاريخية أو فكرية , هذا الشرح كله مقدمة لما أريد أن أدخل في صلب الموضوع .. إن الثقافة والفكر والمفاهيم والإبداع والمبدعون هو الآن في محطة أو منعطف تاريخي وزماني تحكمه ما أسميه( "بريستيج" الثقافة وبريستيج الفكر والمعرفة )

إخوتي حقيقة أن هذا المنعطف هو أخطر المنعطفات  التي سبقتنا على مرور الزمن . هذا المنعطف بحاجة إلى تقويم فلسفي وعلمي وإعادة تفسير للذات والقيم التي ينادي بها المثقفون والكتاب والمبدعون والفنانون والشعراء وكل الشرائح الخلاقة .. لقد فسرنا وشرحنا أن الفكر البشري آخد بالتطور وليس السكون وعندما تسكن المادة وما ينتج عنها من فكر ومفاهيم تفقد مبرر وجودها , أي أن الكاتب يكتب لأنه كاتب ولا يريد أن يخرج عن هذا الإطار وهذا الأسلوب في كتاباته , والشاعر له قضية يعتبرها مقدسة وأخلاقية وثوابت ولا يريد أن يمتد خارج هذا الإطار وإعادة التفسير وكذلك الفنان والرسام وأصحاب المراكز ورجال الدين وكل النخب المجتمعية والغيارى ....

نقرأ ونفكر ونتمعن ونستنتج أحيانا أن فكرنا ومفاهيمنا قد تكون منقوصة أو بحاجة إلى تطوير أو إعادة تفسيرها أو ربما قد عفى الزمن على بعضها أو ربما أكثرها , ولكن كيف أخرج ككاتب أو شاعر أو مؤلف و فنان عن بريستيجي الثقافي والاجتماعي والسياسي والديني وحتى طبيعة علاقاتي بالآخرين  كالعائلة أو القبيلة أو الوطن وحتى نظام الحكم , هذا ما أسميه بريستيج المثقف والمفكر وهذا هو الحاجز , الموضوع حول إحساسك كفنان مرهف الحس , أخي لولا إحساسك المرهف وذوقك الواعي والمتدفق قبل أن استعمال العقل أولا بهذا الواقع لما استطعت أن تكتب أو تنتج أي أمر جديد ومتطور وإبداعي , أهمس في آذانكم بل أصرخ فيكم وبكم أيها الغيارى أيها المبدعون أيها الشعراء والمثقفين والكتاب والنخب ,

أخرجوا من هذا البرستيج الثقافي والاجتماعي والعلاقات غير الصحيحة ولا تضيقوا على إحساسكم المرهف وذوقكم الرائع بفكر ضيق قد يكون حزبياً أو تنظيمياً أو مركزاً مرموقاً أو علاقة خاصة , كن أكثر إحساساً أكثر إبداعاً ومن ثم أكثر عطاءً , أخرج من كل المفاهيم العنصرية , لا تغني للجمال باسم القبح , ولا تغني للأخوة باسم التفرقة ولا تغني للمقاومة باسم العدوان , ولا تتغني بالأمن تكريساً للعدوان والاحتلال , ولا تتغني باسم السلام مكرساً الخنوع والذل وعدم الاتزان ومفرطاً بكل حقوق الإنسان في حريته ومسكنه وحركته  وآماله وطموحاته وعيشه الكريم وحرية انتمائه العقائدي والفكري , بل تفاوض وتناقش انه وليس حيوان ,

عندما تكتب أكتب للإنسان بأن يحترم الحيوان ... لا تتغني بالعدل باسم الظلم , لا تتغنى بالأمر الواقع باسم الخنوع , أخرج من هذه الشرنقة أيها المثقف أيها الغيارى , الفكر الإنساني ممتد وممتد عميق الجذور وعالي الفروع وتستمر الفروع بالنمو والارتفاع , قدموا كل جديد , إبحثوا عن كل جديد , توسعوا في رسالاتكم , أخرجوها من منعطفاتكم واستراحاتكم , اصطلحوا مع أنفسكم تصطلحوا مع الآخرين لتكونوا القدوة الصالحة ولتكونوا رسلا بشريين يخلدكم التاريخ والإنسان , دمتم مبدعين خيرين للأمم قاطبةً لتكونوا دوماً رموزاً للجمال والحب والإخاء وهكذا تُحَل مشاكل الأمم رزمة واحده .
سلام وازدهار وخير وحرية للجميع .
ياسر فقهاء .