الكاتب: الشيخ إبراهيم صرصور



مرة بعد مرة تصر مدينة القدس على أن تحافظ على مكانها في صدر المسرح العالمي ، ويأبى السجد الأقصى أن يبارح عرشه السامق في وعي ووجود الإنسانية كممثل شرعي ووحيد للحق في صراعه الأبدي مع الباطل ، رغم ما يصيبهما من جراح ، وما يعتري وجهيهما من آثار العدوان ، وما يُبَرِّحُ نفسيهما من هموم تخلي الصديق والسند والمعين ، ووثوب العدو والخصم العنيد ...



مرت الأيام الأخيرة قاسية على القدس والأقصى ... وثقيلة على أهلها ، ومقلقلة إلى حد الذهول لكل محبيها من كل ملة ومن كل نحلة وخصوصا من العرب والمسلمين ... المدينة المقدسة وفي قلبها الأقصى المبارك تخوض معركتها وحيدة تقريبا ، إلا من جهود المخلصين المتواضعة في الداخل والخارج ... انفردت بها إسرائيل وأذرعها الأخطبوطية من التنظيمات اليهودية الحاملة لِعُصارة شر البشر منذ خُلِقَ آدم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، حتى لكأنها الظبية الأسطورية الخجولة والدامعة وقد أحاط بها عتاة الوحوش من كل جانب ينهشون لحمها ويهتكون سترها ويسيلون دمها ، وهي صابرة تنتظر من يرد عنها العاديات ويدفع عنها المنايا والنائبات ...


في ظل هذه الظروف لا بد من التذكير بأن القدس أكبر بكثير من أن تكون قضية عقار ... إنها قضية دين وعقيدة ، تماما كما يتعامل معها الإسرائيلي وإن كان من منظور باطل بلا خلاف ... فليس أقل من أن تأخذ مكانها اللائق دينيا وعقائديا عند من أكرمهم الله بحمل الرسالة الخاتمة ، وأعزهم بوراثة أكرم نبي أُرْسِل ، والاختصاص بأعظم كتاب أُنْزِل ، فيهبون إلى نجدتها وتخليصها من أسرها بكل ما أوتوا من طاقة وما وُهِبوا من قدرة ...



الاحتلال الإسرائيلي يسابق الزمن منذ العام 1967 ، وبوتيرة متسارعة في الفترة الأخيرة ، لفرض سياسة الأمر الواقع في القدس الشرقية المحتلة ، وذلك لتحقيق هدفين استراتيجيين يتعارضان تماما مع الثوابت الفلسطينية والعربية والإسلامية ، وهما أولا ، ضمان أغلبية يهودية في المدينة ، وثانيا ، منع أية عملية تقسيم لها في أطار أية تسوية محتملة ... من أجل تحقيق هذه الأهداف تنفذ إسرائيل خططا جهنمية تستهدف الأرض والإنسان والمقدسات على حد سواء ، حيث تصرف في سبيل ذلك ميزانيات بلا حدود ، كما وتوزع الأدوار بينها وبين منظمات يهودية متطرفة منعا لإحراجات دولية وتسريعا لأعمال التهويد ، متجاهلة القانون والشرعية الدولية ، ومستغلة عجز الأمة العربية والإسلامية أنظمة وشعوبا ، ونفاق المجتمع الدولي الذي لا يخرج في اعتراضه على انتهاكات إسرائيل الصارخة في المدينة عن الشجب والاستنكار الخجول ، إلى الفعل الحقيقي الذي يوقف التدهور ويمنع التهديد الذي تشكله هذه السياسات الإسرائيلية على الأمن والاستقرار الدوليين ....



مصادرة الأراضي الفلسطينية من سكان المدينة الفلسطينيين من جهة ، ومنع تطورهم الذي تفرضه طبيعة الحياة واحتياجاتها من الجهة الأخرى ،هي بعضٌ من الوسائل التي تستعملها إسرائيل لفرض واقعها التهويدي على القدس الشرقية المحتلة . وهي بلا شك من الأدوات الفتاكة التي حولت حياة المقدسيين إلى جحيم لا يطاق ، مما عرضهم وما يزال إلى كثير من الابتزاز والترهيب بشكل بدأ هو أيضا يهدد إسلامية وعروبة المدينة ، ومناعة أهلها في مواجهات المؤامرة الكبرى التي تجاوزت بقسوتها حجم ( خطة القدس الكبرى ) الإسرائيلية ...



مع ما نؤمن به من أن المستقبل لقدسنا العربية الإسلامية ولمسجدنا الأقصى المبارك ، وفوق ما نؤكده دائما من أن كل ممارسات إسرائيل لن تغير من حقيقة أن القدس ملك خالص للفلسطينيين والعرب والمسلمين ، لا حق لليهود في شبر فيها ، فإننا نُحَمِّلُ الأمة من أولها إلى آخرها مسؤولية الدفاع عن القدس والأقصى ، وأمانة الذود عن حياضها ... لا عذر لأحد إن هو تأخر عن هذه المهمة المقدسة ... تفصلنا عن القمة العربية مسافة زمنية قصيرة ، نطالب بأن يجعلها القادة العرب قمة القدس والأقصى ، كما وندعوهم إلى الخروج عن حالة الشلل التي يعيشونها حيال القدس والقضية الفلسطينية ، وأن يهبوا لنصرتها قبل فوات الأوان ، فهي مسؤوليتهم هم ، كما كانت مسؤولية قادة الأمة عبر التاريخ ...



رئيس الحركة الإسلامية